الثلاثاء، ٢١ نوفمبر ٢٠٠٦

سونيا الجميلة ـ قصة قصيرة ل محمود البدوى


سونيا الجميلة
قصة محمود البدوى

التقيت « بسونيا » لأول مرة فى بنك الصين ، وكانت فى الصف عندما خرجت من فمى على سبيل السهو بضع كلمات باللغة العربية جعلت الموظف فى حيرة ..

ولكنها ابتسمت وأزالت حيرته بأن ترجمت له الكلمات فى الحال إلى اللغة الانجليزية .. فحولت إليها وجهى فى دهشة .. لأن أول شىء خطر على بالى فى تلك اللحظة أنها مصرية ووجود المصرية فى هذه المدينة نادر الحدوث ويبعث على الدهشة .. ووددت لو أوجه إليها أول سؤال لأعرف حقيقة المسألة ، ولكننى تباطأت وكانت هى أسرع منى فخرجت على عجل من الصالة بعد أن فرغت من عملها ..

ثم رأيتها مرة أخرى واقفة على الرصيف فى « كولون » تنتظر مثلى الباخرة التى سنعبر بها الخليج إلى « هونج كونج » وكانت بصحبة رفيقة صينية فى مثل سنها ومع أننا كنا فى الطابق الأول من الباخرة .. ولكنهما خرجتا قبلى مسرعتين على الكوبرى الخشبى .. ولما استدارت لمحتها تنظر إلى ناحيتى ولا أدرى أكانت تقصدنى أم تقصد شخصا آخر ..

والتقيت بها بعد ذلك بثلاثة أيام فى « حدائق النمر بهونج كونج » وكانت برفقة نفس الشابة الصينية .. وكانتا تتبختران بين الأشجار كأجمل شابتين بين المروج وأنا وحدى أتسكع .. فرفت على ثغرها نفس الابتسامة التى رأيتها فى البنك .. وسمعت صوتها وضحكتها ثم غابتا عن بصرى ..

وفى اللقاء الرابع وجدتها أمامى فى الترام ذى الطابقين بشارع هوليود فى مدينة هونج كونج .. وكأننى عثرت على شىء عزيز كان ضائعا منى منذ سنين طويلة ووجدته فجأة ولذلك تشبثت بها بقوة .. وحادثتها على التو باللغة العربية التى لا يفهمها أحد فى الترام ولا فى المدينة .. وعرفتنى بأنها درست بقسم اللغات الشرقية بجامعة موسكو .. وزاد ذلك من سرورى ولا أدرى إحساسها فى ذلك الوقت ، ولكننى شعرت عن يقين بعد أن نزلنا من الترام وأخذنا نتهادى فى شارع « دى فو » بأنها استراحت للقائى الذى لم يكن على ميعاد .. كما استراحت لصحبتى ..

وحدثتنى بأنها قادمة من نيودلهى وستمكث عشرة أيام فى « هونج كونج » ، وتسافر منها إلى « بكين » .. وأنها تنزل الآن عند الصديقة التى رأيتها معها من قبل ..

وقلت لها أنى أنزل فى فندق « شمروك » بشارع « نثان » وأتمنى أن يكون منزل صاحبتها قريبا من الفندق لنتلاقى فى الأيام القليلة التى سنقضيها فى « هونج كونج » ..

وعبرت لها عن بالغ سرورى لأنى وجدت من يحدثنى بالعربية بعد غيبة ثلاثة أشهر عن القاهرة .. ويضاعف من هذا السرور أن تكون المتحدثة شابة جميلة ورقيقة المشاعر مثلها .. واحمر خداها لهذا الإطراء ..

ولما كانت قد جذبتنى بروحها الجميلة وملامحها الشرقية وخجلها العذرى .. فقد حرصت على ألا أجعلها تفلت من يدى بعد أن جمعتنا الأقدار لأول مرة فى صالة البنك ..

وكنا قد ملنا إلى شارع « كوين رود » دون أن نشعر مستعرضين الحوانيت كسائحين متعطشين لكل ما تقع عليه العين فى مدينة الأعاجيب التى وطئتها أقدامنا لأول مرة ..

ووقفنا عند قاعة « كافيه دى بارى » .. فعرضت عليها أن ندخل ونستريح حتى يحين موعد لقائها مع صاحبتها الصينية التى سترافقها فى جولة ..

ووافقت وأزحنا الستر ودخلنا فى مكان جميل هادئ .. وسمعنا ونحن نتقدم نحو المائدة التى اجتزناها أنغاما صينية خافتة استراحت لها حواسنا ..

وجلسنا إلى مائدة واطئة وحولنا الستر الحريرية الحمراء عليها خيوط الذهب وشعرنا بالدفء والراحة بعد تناول قليل من الطعام وشرب الشاى ..

وأخذت أحادث « سونيا » باللغة العربية الخالصة التى كنت أستثقلها فى مصر ولكننى أحببتها الآن من أجلها .. وقالت لى إنها عائدة إلى بكين ومنها ستسافر إلى موسكو .. وإنها تعد دراسة عن الحالة الاجتماعية فى جمهورية مصر العربية والهند بعد الحرب العالمية الثانية .. فهما دولتان ناميتان أخذتا فى التصنيع .. وأبدت رغبتها فى زيارة القاهرة التى تحبها وتود أن تعرف الكثير عنها .. وسرها للغاية معرفة مصرى مثلى فى « هونج كونج » ..

وقرأت فى عينيها السؤال عن السبب فى وجودى فى هونج كونج .. فقلت لها أنى كنت فى زيارة أخى الأكبر الذى يعمل فى « بانكوك » ولقربى من « هونج كونج » وكنت أسمع عنها الكثير وجدتها فرصة سانحة لزيارتها.. ومهد لى أخى المال اللازم لذلك ..

وأضفت وأنا أحدق فى وجهها الجميل ، وفى بريق عينيها الخضراوين وفى الحمرة التى علت خديها ..
ــ وما دمت قد وجدت من يحدثنى بالعربية سأظل فى « هونج كونج » إلى أن تسافرى ..
ــ ألا يوجد من يتكلم العربية هنا ؟ ..
ــ أبدا .. ان هذا نادر .. يوجد من يتحدث بها فى القنصليات العربية الموجودة فى المدينة .. ولكننى ما جئت هنا لأذهب إلى هؤلاء ..

وقالت بعذوبة :
ــ يسرنى الحديث بلغتك .. لأنى تركتها مذ غادرت موسكو ..
ثم أردفت بحماسة :
ــ وكم أنا فى شوق لزيارة القاهرة ..
فقلت لها ..
ــ يسرنى أن أستضيفك إذا ذهبت إلى هناك .. وستفرح بك والدتى وأختى .. وهى فى مثل سنك ..
ــ شكرا .. شكرا ..

وكانت تكرر هذه الكلمة كثيرا .. بالتفخيم حتى كان قلبى يضحك .. ولم أكن وأنا فى صحبتها أتصور أننى بعدت عن القاهرة شبرا واحدا .. فقد كانت تنقلنى بملامحها وطباعها إلى هناك ..

ولقد جذبتنى إليها بقوة المغناطيس .. والشابات اللواتى فى مثل سنها من الأوربيات والأمريكيات والآسويات والأفريقيات اللواتى كنت أراهن يتجولن فى شوارع « هونج كونج » فى مطلع عام 1971 كن يلبسن المينى جيب.. فى صميم الشتاء ..

أما هى فكانت تلبس جونلة تغطى الركبة وبلوزة صوفية تصل إلى العنق .. ولم يكن فى وجهها غير زينة خفيفة بل وأقطع بأنها لا تضع أحمر شفاه على الإطلاق ..

ولكم تمنيت وأنا أحدق فى ثغرها لو لمسته بشفتى وذقت حلاوته على الطبيعة ..

وكان ميعاد صاحبتها قد اقترب .. فنهضنا .. ورافقتها إلى الميناء .. ولما تقدمت إلى الشباك لأقطع لها التذكرة وثمنها لا يزيد على قرشين .. عارضتنى ورفضت بشدة .. ولكننى أخيرا تغلبت عليها ..

وقلت مازحا :
ــ أنت مصرية يا سونيا ..
ــ وهل المصريات يفعلن ذلك ..؟
ــ أجل .. لهن نفس الطباع ..
وضحكت ..

ولما رست الباخرة هبطت إليها بسرعة .. وتلفتت نحوى .. قبل أن تجلس على الدكة الخشبية .. وكنت لا أزال واقفا فى مكانى فحيتنى بيدها وقد وجدت فى هذه الحركة تحية ود جميلة ..

* * *

ومع أنها أعطتنى عنوان المنزل الذى تقيم فيه وكان فى شارع « شنغهاى » بكولون ..

ولكنى لم أجد فى نفسى الرغبة فى قرع بابها .. لتحفظها الشديد .

وتركت يوما كاملا بنهاره وليله يمضى دون لقاء .. وحدثت نفسى بأنها إذا رغبت فى لقائى .. فمن السهل عليها الاتصال بى تليفونيا ما دامت تعرف الفندق ..

ومر اليوم الثالث كله دون لقاء أيضا .. وإن كنت قد ذهبت إلى قاعة « الكافيه دى بارى » فى « هونج كونج » .. لعلى أجدها هناك ..

وفى صباح اليوم الذى يليه دق جرس التليفون فى غرفتى قبل أن أتناول الإفطار وحدثتنى موظفة الاستقبال .. أن سيدة تنتظرنى فى بهو الفندق ..
فقلت للموظفة :
ــ أعطيها رقم الغرفة لتصعد .. لأننى أتناول الإفطار ..
فقالت :
ــ لقد أعطيتها الرقم يا سيد / حسن .. ويبدو لى أنها تفضل الانتظار هنا ..
فقلت للموظفة :
ــ مس لى .. أعطيها السماعة من فضلك ..

وجاءت سونيا على الخط ..
فقلت لها :
ــ آنسة سونيا .. أرجو أن تصعدى .. فأنا لم أفطر بعد ..
ــ لا داعى لإزعاجك .. وسأنتظرك فى البهو حتى تفطر ..
ــ ولماذا تجلسين وحدك .. تعالى ..
ــ سأتحدث مع الموظفة حتى تحضر ..

ونزلت إليها قبل الإفطار وأنا مستاء قليلا من هذا التصرف .. لأنى شعرت أنها لا تثق فىّ .. ولكننى التمست لها العذر .. لأننا لم نتعارف بعد المعرفة التى توجد عندها هذه الثقة ..

* * *

ووجدتها ترتدى ثوبا بنفسجيا من الصوف .. وتغطى شعرها بإشارب وفى قدميها حذاء أسود .. وفوقه جورب وردى من النايلون جعل ساقيها أكثر جمالا وفتنة ..

وجلست بجوارها على كنبة مغطاة بحشيات من الحرير .. وأنا مأخوذ بجمالها وببشرتها الناضرة ..
وطلبت من الساقية الشاى ..
فقالت بعذوبة :
ــ لا داعى له .. سنشربه فى « هونج كونج » ..
ــ لم أفطر .. وتركت الطعام على المائدة ..
ــ سنفطر فى « هونج كونج » .. أريد أن أتسوق بعض أشياء لأخى .. ورأيت أن آخذ رأيك كرجل قبل شرائها ..

وخرجنا من الفندق بعد الساعة التاسعة صباحا . وكان الجو جميلا .. بعد مطر لم يدم طويلا .. والحركة فى الشوارع على أشدها .. وكل شىء يتحرك بسرعة ونشاط .. السيارات الصغيرة والكبيرة .. والترام ذو الطابقين .. والرجال والنساء .. كل يتحرك فى سرعة دافقة كأنه فى سباق ..

ومر بجوارنا تاكسى فاستوقفته ..
وقالت :
ــ المسافة قصيرة .. فلماذا لا نمشيها .. والجو فيه لسعة برد خفيفة أحب أن أتحرك فيها ..
ــ إننى جائع .. ولا أستطيع المشى وأنا جوعان !..

وأركبتها قبلى .. ولما جلست بجوارها أدركت أن التاكسى صغير جدا .. وأكاد ألتصق بها .. وظهر عليها الخفر ولزمنا الصمت ..

* * *

وفى الباخرة التى أقلتنا إلى « هونج كونج » جلسنا دون قصد على دكة خشبية بجوار فتاة صينية .. عرفتها بعد جلوسى وعرفتنى .. فتجاذبنا الحديث لفترة قصيرة بالإنجليزية .. فقد كانت مضيفة فى الطائرة التى نقلتنى إلى « هونج كونج » ..
ولاحظت أن وجه سونيا أحمر وأنا أحادث الفتاة ..

ولما خرجنا من الباخرة .. وأصبحنا فى شارع « دى فو » قاصدين المتجر قلت لأزيل من رأسها سوء الفهم ..
ــ الفتاة مضيفة ..
ــ مضيفة ..؟!
ــ أجل .. وركبت معها الطائرة من « بنكوك » إلى مطار « كاى تاك » ..
ــ وتتذكرك مع عشرات الأشخاص الذين كانوا فى الطائرة .. ؟ انها ذكية جدا .. !
ــ لقد سافرت معها فى رحلة أخرى .. ولهذا السبب أعتقد أن صورتى ظلت فى ذهنها .. فلقد كنت المصرى الوحيد ..
ولم تعقب سونيا .. ومشينا صامتين حتى دخلنا المتجر ..

* * *

وصعدنا على السلالم الكهربائية إلى الطابق الرابع .. فى متجر « لين كراوفورد » ووقفنا أمام فتاة صينية مليحة الوجه سوداء الشعر ترتدى معطفا أزرق ..
واستقبلتنا بالترحيب ..

وخطر لها للوهلة الأولى أن سونيا زوجتى .. فأخذت تحادثها على هذا النحو .. وقدمت لها أجمل ما عندها من القمصان .. الأرو .. والنايلون .. والبلوزات .. والكرافتات الحريرية ..

ولما انتقلنا إلى قسم الجوارب .. رافقتنا .. لتدلنا على الطريق وتقدمنا إلى الفتاة المختصة وهى تنحنى فى رقة أذهلتنى ..

ولقد اشتهيت هذه الفتاة بكل مفاتن جسمها اللدن .. وكل العذوبة والرقة والاشتهاء الصامت الذى وجدته فى عينيها ..

واشتريت أشياء كثيرة بأقل الأسعار إكراما لها .. كما اشترت سونيا ..

ولما أصبحت الربطة كبيرة .. فضلت البائعة أن يرسلها المحل على عنواننا حتى لا نتعب فى حملها ..

فسألت سونيا بالعربية :
ــ هل نرسلها على عنوان صاحبتك .. ؟
ــ اجعلها على عنوانك فى الفندق .. لأنه أقرب ..
وفعلا كتبت عنوانى ..

وبارحنا المتجر والساعة تشير إلى الحادية عشرة .. وكان أمامنا وقت طويل للتنزه قبل ساعة الغداء ..

فمشينا فى شارع « كورواى بيى » نتسكع كما اتفق .. واستلفت نظرى صورة كبيرة « للولو بريجيدا » على باب سينما « كابيتال » أغرتنا على أن ندخل السينما ونشاهد الفيلم وكنا لم نر فيلما إيطاليا من مدة طويلة ..

وكان البلكون فى الدور الثانى فصعدنا سلالم خشبية مغطاة بالسجاد .. وخيل إلينا والعامل يدلنا على مكان جلوسنا فى الظلام أن الصالة خالية من الرواد ..

وجلسنا نحدق فى الشاشة .. وكانت بعيدة جدا .. والسينما مع أنها فخمة وأنيقة .. لكننا شعرنا فيها بالوحشة .. لشدة الظلام ورهبته ولأن المقاعد التى حولنا وأمامنا بدت خالية تماما وغمرنا الإحساس المشترك بعد دقيقة واحدة من دخولنا إلى السينما أنها تشتغل لنا وحدنا ..

وكانت « لولو بريجيدا » .. قد نهضت من فراشها فى هذه اللحظة تتثاءب وهى فى قميص من الدانتلا الأسود يكشف كل مفاتن جسمها العاجى .. ويزيد من حلاوته .. ومرت علينا فى هذه الجلسة الشاحبة عشرون دقيقة وأكثر .. ونحن لم نتبادل كلمة واحدة .. ولم أجرؤ فى خلالها على لمس يدها .. بعد أن وجدتها جالسة كالمتخشبة على المقعد ..

وملت عليها أحدق فى عينيها ، وأقول بصوت خافت فيه الكثير من عواطف القلب .. محاولا بذلك أن أحرك رمادها البارد ..
ــ أتشعرين بالبرد .. يا سونيا ..؟
ــ أبدا .. التكييف يعمل بحرارة ..
ــ هل أعجبك الفيلم ..؟
ــ رائع .. ولكن يبدو أنه بدأ من مدة ..
ــ سنبقى حتى نراه من أوله .. فالعرض مستمر ..
ــ هذا أحسن ..
وأمسكت بيدها .. بعد هذا الحديث .. ولمستها برقة ..
فأبقتها فى يدى لحظات ثم سحبتها ..

* * *

وشعرت من هذه الحركة ببرودة شديدة .. وتجمد فى ألياف لحمى .. ودمى .. حتى وإن كنت أتوقعها منها .. ثم تمالكت نفسى .. ولم أر ما يدعو لأن أعكر صفو الجلسة .. والرواية جميلة والممثلون يهزون المشاعر .. وخرجنا من السينما والساعة قد تجاوزت الثالثة ظهرا ..

* * *

وكنت فى حالة اكتئاب لم أستطع أن أخفيها ولذلك سرنا فى الشوارع كزوجين مضى على زواجهما عشرات السنين فأصبحا خامدين صامتين .. لا تحركهما حتى الأعاصير ..

فقد كنت أتوق بحرارة الشباب وطبعه إلى لمس يديها وشفتيها .. ولكنها قابلت كل ذلك بحماقة .. جعلتنى أتبلد ..

ثم بعد ساعة تأججت عواطفى من جديد ونسيت حماقتها فى السينما .. وغفرت لها هذا التحفظ ..

* * *

وأصبحت فى كل ساعة تمر أزداد حبا لها وتعلقا بها .. فقد جذبتنى بكيانها كله وروحها العذبة .. جذبتنى بشىء خفى لا أستطيع تحديده .. فكنت أحس بضربات قلبى كلما أهلت علىّ بوجهها أو سمعت صوتها .. أو حتى سمعت من بعيد موقع أقدامها على درجات الفندق ..

ولم أستطع تعليل هذا الحب الجنونى .. ولقد شغلتنى بشمول كامل فى مدى أربعة أيام فقط عن النساء جميعا .. فأصبحت متعففا إلى درجة كبيرة ..

وعجبت لنفسى .. وقد كان غرضى الأول من زيارة « هونج كونج » أن أغوص فى قلب المدينة وأختلط بكل أجناس النساء .. وأبدأ بالإنجليزيات وكن يتعالين علينا فى مصر بسبب الاستعمار الطويل .. أما هنا فنظرتهن تختلف تماما ..

وفكرت أن ألتقى بواحدة منهن على التو لأحقق رغبة دفينة .. ولكن سونيا .. غيرت مجرى سيرى وحياتى .. واستولت على روحى وجسمى .. تملكتنى تماما .. ولم أستطع إلى هذه اللحظة الفكاك منها ..

كانت فيها قوة خفية للأسر .. الأشياء التى كانت تنفرنى منها كانت هى التى تقربنى إليها .. خفرها الشديد .. وهدوؤها ..واحتشامها .. جعلتها فتاة غير فتيات العصر ..

* * *

وفاتنى ميعاد الغداء فى الفندق بسبب السينما .. فتغدينا معا فى « هونج كونج » ثم ركبنا الباخرة إلى « كولون » وكانت الساعة تقترب من الرابعة .. والجو فيه غيوم خفيفة ولسعة برد .. ولكنه محتمل .. ورأينا أن نتمشى إلى بيتها ..
وعلى الباب ودعتها .. وأنا أقول :
ــ ستأتين فى المساء .. لأخذ حاجتك .. لابد أنها وصلت الآن ..
ــ سأتلفن لك ... قبل السابعة .. وأحب أن نتجول معا فى « كولون » ..
وحييتها وانصرفت وأنا شاعر بالفرح ..

* * *

ووصلت إلى الفندق فى الفترة التى تنقطع فيها المياه عن المدينة .. فاستلقيت على الفراش أقلب صحيفة محلية تصدر باللغة الإنجليزية .. حتى تعود المياه إلى مجاريها .. وكانت صورة « سونيا » تحتل كل صفحة .. فألقيت الصحيفة من يدى .. وأخذت أرتب الغرفة .. وأمسح على الكرسى الطويل الذى ستجلس عليه .. وأرتب المنضدة الصغيرة .. وأرخى ستر النافذة وأخفضه ..

وكانت الغرفة صغيرة ولكنها جميلة وأنيقة وتطل على الشارع .. فوقفت بجوار النافذة أرقب حركة المرور فى المدينة الساحرة ..

كان المارة حتى فى « كولون » وهى ليست مزدحمة بالسكان « كهونج كونج » يتحركون فى سرعة شديدة .. كأنما هناك من يلهب حواسهم إلى النشاط والحركة السريعة ..

وكانت المدينة التجارية الصغيرة يتدفق فيها فى هذه الساعة أجناس من كل ألوان البشر .. وسيارات التاكسى الصغيرة تمرق كالسهام .. وعربات الترام من طابقين أنيقة ونظيفة .. وتتوقف تماما للأطفال الخارجين من المدارس .. فى غير المحطات وغير أماكن المرور ..

والصينيات الجميلات فى الجونلة المشقوقة عند الفخذين يتحركن بجانب الأوربيات والأمريكيات اللواتى يلبسن المينى جيب .. والبنطلونات .. وهذا الخليط من النساء وفيهن السمراء والشقراء .. والطويلة والقصيرة .. وذات الدل .. هذا الخليط يشوقنى ..ويلهب الحواس .. ولكنى تركته ..

وأحسست بعودة المياه .. فأسرعت إلى الحمام .. لأنتهى منه بسرعة خشية أن يدق التليفون .. وأنا بداخله ..

ولمحت وأنا خارج من الحمام فى الطرقة الخلفية خادم الفندق يحمل حقيبة ويتقدم سيدة شقراء طويلة القوام ترتدى فستانا رماديا من قطعة واحدة .. وتمهلت فى سيرى حتى عرفت رقم الغرفة التى نزلت فيها ..

ولما أدار الخادم أمامها مفتاح الباب .. ووقفت تنتظره لمحت آلة تصوير معلقة فى كتفها .. وخمنت بأنها سائحة أوربية وحدها ..

* * *

وفى الساعة السابعة دقت « سونيا » جرس التليفون .. فسألتها :
ــ من أين تتحدثين يا سونيا ..؟
ــ من تحت ..
ــ اصعدى .. أنا فى انتظارك ..
ــ سأصعد ..
وأعطيتها رقم الغرفة ..

وجاءت تتهادى كالعروس .. ولم أشعر بفرحة فى حياتى كما شعرت فى هذه الساعة .. ولما جلست على الكرسى الطويل المريح الذى أعددته لها .. خرست وأنا أنظر إلى جمالها كله .. محصورا فى أربعة جدران .. فى غرفة صغيرة .. انعقد لسانى ثم حلت عقدته .. وأخذت أهضب فى الحديث وأسح .. وهى صامتة مبتسمة .. والتى كانت من قبل هى المتحدثة وحدها صمتت الآن لتسمعنى ..

ولما أخذت الربطة .. لأخرج أشياءها .. قالت وقد تكسر خداها وأصبحا بلون العناب ..
ــ ابقها .. الآن .. فإنى أحب أن أشاهد « كولون » فى الليل وأنت معى ..

وتجولنا أكثر من ساعة فى المدينة .. ثم دخلنا ملهى « امبريال » ولاحظت أنها فى شوق إلى مشاهدة هذه الأشياء لأنها غير موجودة فى بلادها .. وتود فى فترة وجودها فى « هونج كونج » أن تشبع منها .. وتحس بالاكتفاء ..

وكانت الصالة خافتة الضوء .. وشاحبة وممتلئة بالرواد .. من السائحين وهم الغالبية واخترنا ركنا .. أكثر ظلاما من كل جوانب الصالة .. ولا أدرى من منا الذى كان يريد أن يتخفى عن الأنظار ..
وطلبنا نبيذا أحمر .. ولم نشرب كثيرا مراعاة لحالتها ..

وبدأت على خشبة المسرح عروض مختلفة من الغناء والرقص الصينى .. والأوربى ..

ثم بدأ عرض التجرد من الملابس من فتيات جميلات القوام ومنهن الصينيات أيضا ..

ولاحظت الخجل الشديد على وجه « سونيا » ولكنها لم تحول نظرها عن هذه المشاهد .. استمتعت بها كلها ..

وتلاقى فى الشوارع الصينى والهندى .. واليمنى .. والباكستانى .. والأرمنى .. واليونانى .. والإنجليزى والأمريكى ..

والصينى الذى يعيش ويموت فى الماء .. والذى يسكن الأكواخ الحقيرة القذرة فى « أبردين » ..

ثم المستعمر الذى يسكن القصور الفخمة على الخليج .. ويملك اليخوت للنزهة والمتعة ..

ومع كل هذا الخليط البشرى من مجتمعات كل البشر فى مدينة الأعاجيب دون تناسق أو رباط .. فإنك تشعر بالراحة عندما تضع قدمك فى المدينة وتتنفس هواءها .. ولا تدرى السبب على التحقيق ففيها جاذبية غامضة وحرية يستريح لها كل سائح وهو يتداول النقد فى أى مكان .. وأول ما يطالعك فى الميناء هو ابتسامة مشرقة وترحيب رقيق من فتيات إنجليزيات يلبسن المعاطف البيضاء .. وقفن وراء المنصة كأنهن ملكات الجمال يفحصن فى سرعة ودلال بطاقتك الصحية ..

وتوغلنا فى قلب مدينة « هونج كونج » وأصبحنا فى الحى الصينى الخالص بلافتاته الكبيرة المتشابكة ودكاكينه الصغيرة .. وحواريه الضيقة .. نشم رائحة الأطعمة الصينية من بعيد قبل أن نشاهد دخان المطاعم .. ونرى الأطعمة معروضة فى صحاف كبيرة وراء الزجاج فيسيل لها اللعاب ..

والصينيات فى المرايل البيضاء والزرقاء بوجوههن الصفراء والمستديرة وعيونهن المشروطة ورؤوسهن المعصوبة بالمناديل .. فى استقبالنا للخدمة ..

* * *

وقضينا نهارا جميلا أنا وسونيا فى الهضبة وأشرفنا من أعلى مكان فى المدينة على الجزيرة كلها بروابيها ومروجها الخضراء ..وخلجانها .. ورأينا أجمل المناظر الطبيعية على الإطلاق ..

وكانت « سونيا » متفتحة وشاعرة بالجمال كله .. وتتشرب روحها وجسمها من الأنفاس المتعطرة المحيطة بنا ..

وبرزت فى هذه اللحظة .. بجمالها كله .. وهى معتمدة على السياج الحديدى .. ومتجهة بعينيها نحو الشرق .. ولقد أسرنى قوامها فوددت لو أقبلها وأعتصر عودها ولكننى وجدت دافعا قويا يردنى عن ذلك ..

ثم ركبنا عربة « الركشة » وجلسنا متجاورين فى هذا الحيز الضيق .. وأخذ الشاب الذى يجرها يبتسم لنا فى مرح وتبرق أسنانه الذهبية .. وهو يسير بنا الهوينا ثم يسرع ثم يعود فيتمهل لنأخذ حظنا مما حولنا من جمال ونستمتع بالرحلة إلى مداها ..

* * *

وبعد أن نزلنا من الهضبة .. أخذنا نفكر فى نزهة أخرى ثم رأينا أن نتغدى فى السفينة العائمة لأنها كانت تسمع عنها وفى لهفة إلى رؤيتها ..

وحملتنا فتاة صينية ناضرة فى زورقها الصغير إلى السفينة ..

وجلسنا إلى مائدة نأكل السمك الطازج .. ونستمتع بكل ما حولنا من جمال البحر وكانت الشمس تذهب وتجىء ..

وشاهدنا زوارق أولئك المساكين الذين يعيشون ويموتون فى الماء ..

وسألتنى سونيا وهى تتجه بوجهها إلى ناحيتهم :
ــ أتعجبهم هذه الحياة ..؟
ــ لا أظن .. من يرضى بهذه الحياة الدون ..
ــ ولماذا لا يغيرونها ..؟
ــ ما أحسبهم يستطيعون ذلك .. فالفقر يعصرهم بقوة ، والحياة الرتيبة تشدهم إلى هذه الزوارق .. وهى بمثابة قبور لهم .. من اللحظة التى يولدون فيها .. يجدون هذه الرموس أمامهم وكأنها مصيرهم الأبدى ..
ــ إذا أرادوا التغيير .. يمكن أن يتغيروا ..
ــ لقد استطابوا هذه الحياة الضحلة .. ورضوا بهذا الهوان .. وما أحسب أن لهم إرادة على الإطلاق ..

وكانت الشمس تجنح للغروب عندما غادرنا السفينة .. وقد نقلتنا نفس الملاحة الصينية وقد أجزلت لها العطاء إكراما .. لطفلين لها كانا ممدين فى بطن الزورق شاحبين كالموتى ..

ووصلنا الفندق فى الليل .. وكانت الرحلة طويلة من « أبردين » إلى « كولون » فأحسسنا بالتعب معا ..

وجلست سونيا فى حجرتى تستريح وأنا قبالها .. أملأ عينى من حسنها كله .. وخلعت معطفها وحذاءها .. واسترخت .. فقلت لها برقة ..
ــ هل تنامين قليلا .. يا سونيا ..؟
ــ شكرا .. سأغلق عينى وأنا جالسة .. وأكتفى بهذا ..

وجاء الشاى فرشفته بقليل من السكر .. وانتعشت بعد لحظات قليلة .. ثم دخلت دورة المياه .. ولما عادت وجدتنى أغسل وجههى فى الحوض الذى فى الغرفة ..
وقلت لها وأنا أجفف شعرى :
ــ بللى وجههك بالماء الدافئ ..
ــ سأفعل ..
وغسلت وجهها .. وجففته جيدا وكأنها تدلكه ..

ثم وقفت أمام المرآة تمشط شعرها الأبنوسى الطويل الشديد البريق أجمل شعر رأيته على رأس حسناء ..

ولما استدارت عن المرآة وجدتنى أقف أمامها .. كالمأخوذ بكل هذه الفتنة وضممتها أخيرا إلى صدرى ..

وطوقتها وقبلتها فى شفتيها وعينيها وجيدها .. ثم نزلت إلى صدرها .. ودفنت فيه رأسى ..

ولا أدرى كم مضى من الوقت وهى واقفة ساكنة .. ولقد أحسست سكونها .. كأنها تروضنى .. ثم ذاب جليدها .. فطوقتنى .. ورفعت رأسى عن صدرها .. وقبلتنى قبلة سريعة ولكننى أحسست بحرارتها وحلاوتها .. وخلصت نفسها من عناقى .. وبحركة أغضبتنى ..
وجلست تسوى هندامها .. وشعرها .. بيديها ..

ووقفت أحدق فيها كالذى انتزع منه فجأة شىء يحرص عليه وعاش السنين كلها له ..

وبعد دقيقة من الذهول .. أمسكت بيدها لأنهضها .. فقالت بصوت أخرس :
ــ أين الربطة ..؟
ــ فأحسست بالبرودة تسرى فى دمى كله .. وتناولت أشياءها من الدولاب ووضعتها أمامها على النضد ..

ولبست معطفها وحملت أشياءها .. وأحسست بكل الخيوط وقد انقطعت فجأة بحد السكين وأوقفت لها « تاكسى » على باب الفندق وأركبتها فيه .. دون أن نتبادل كلمة ..

* * *

وبعد ذهابها .. شعرت بكآبة شديدة ووجدت نفسى أمضى فى الشوارع على غير هدى ثم أعبر الخليج إلى « هونج كونج » .. وأدخل الملاهى المثيرة .. وكنت أعرض نفسى فى سبيل المغامرة واكتشاف الأشياء المخبوءة إلى النشل والضرب حتى الموت ..

وفى « سنترال رود » وكانت الساعة تقترب من منتصف الليل والطريق ساكنا رأيت من بعيد شحاذا يطارد سيدة .. ويضايقها بإلحاحه ولما سمعت السيدة خطواتى وراءها توقفت .. ولما اقتربت منها وجدتها جارتى فى الفندق..
فقلت لها بالإنجليزية :
ــ ما الذى جرى ..؟
ــ إنه يضايقنى .. وقد أعطيته نصف دولار .. ولكنه ظل يلاحقنى وأخاف على آلة التصوير ..
ــ لا تخافى .. إنه لا يسبب لك أى أذى ..

واستدار الشحاذ وبعد عنا وهو يبتسم فى خبث وأسنانه الذهبية تلمع فى الظلام ..

ولما اطمأنت لوجودى بجانبها سألتها :
ــ ولماذا تسيرين وحدك هنا .. فى هذا الليل ..؟
ــ كنت أصور سوق الخضار .. وهم يغسلونه فى الليل .. منظر ممتع ..
ــ لو كان معى آلة تصوير لفعلت مثلك ..
ــ حقا ..؟
ــ حقا ..
وضحكت ..
ــ إذن سأعطيك صورة ..
ــ شكرا .. ستكون أجمل تذكار ..
ورافقت « كارولين » إلى الفندق ..

وفى الصباح التالى تلاقينا فى البهو .. كأننا كنا على ميعاد .. وخرجنا إلى المدينة وقضينا النهار بطوله وجزءا من الليل معا .. ذهبنا إلى كل مكان ترغب أن تراه .. وكل ملهى ..

وفى اليوم التالى ذهبنا إلى « لوو » وعدنا بعد منتصف الليل إلى الفندق .. ونامت فى فراشى نصف عارية مشبوبة بكل أنوثتها ..

إنها ألمانية .. وتزوجت ثلاث مرات وفشلت فى المرات الثلاث .. وتعمل صحفية .. ومراسلة لمجلة ألمانية مشهورة .. وقادمة من نيودلهى .. ومسافرة فى الغد .. إلى طوكيو ..
وتجاوزت الخامسة والثلاثين .. ولكن فيها حرارة بنت العشرين .. وأحببتها .. وأخذت ألمس شعرها .. وأضغط على شفتيها .. وأمزج عرقى بعرقها .. ودمى بدمها ..

وسألتنى :
ــ أمتزوج ..؟
ــ أجل ..
ــ وأين هى الآن ..؟
ــ فى الإسكندرية ..
ــ وجميلة ..؟
ــ جدا ..
ــ ولماذا تخونها ..؟
ــ لأنى أحبها ..
فضحكت ..
ــ أتكرهها ..؟
ــ إننى كلما اقتربت منها تتثاءب ..
ــ وأنا ..؟
ــ أنت مشبوبة العاطفة ..
ــ وأحببتنى ..
ــ بالطبع ..
ــ وتشعر بالسعادة .؟
ــ إلى أقصى غاية ..
ــ وستكتب لى .؟
ــ أجل .. من كل مكان أنزل فيه ..
واحتضنتها ..

* * *

وفى بكورة الصباح الضبابى الخفيف .. كانت نائمة بين ذراعى وشعرها الأشقر المتهدل يغطى الجبين .. فأمسكت بشعرات صغيرة ولمست بها شفتها السفلى مدغدغا .. فى نعومة ..

وفتحت عينيها .. على قبلاتى المحمومة .. وشدتنى إليها فى نشوة .. لم تكن كأية امرأة عرفتها .. كانت رائعة .. كأنما اجتمعت فيها كل خصائص الأنثى منذ حواء ..

وتذكرت وأنا أضغط على شفتيها ما قاله « بيرون » ليت النساء جميعا اجتمعن فى ثغرها فقبلته واسترحت ..
وقبلته .. وقبلته .. ولكننى لم أسترح ..

وشعرت بأصابعها تتحس فى نعومة كتفى وعنقى وصدرى .. كل شىء حولى كان جميلا وبلون العسل المصفى ..

وقبل الشروق بدأ المطر يتساقط وأخذت ريح خفيفة تهب وجعلت الشجر يتمايل ..

وكانت « كارولين » مستلقية فى قميص حريرى مغمضة عينيها .. كأنها تحلم .. ثم فتحت عينيها ونهضت فى تثاقل .. وقبلتنى وهزتنى فى مرح ..
ــ حسن .. إنى ذاهبة ..

ولبست ثيابها بسرعة دون زينة .. لتكمل زينتها فى غرفتها
وعلى الباب احتضنتها وقبلتها بقوة دون أن أعبأ بشىء ..

ولما رفعت رأسى عنها وجدت « سونيا » قادمة فى الطرقة متجهة إلى غرفتى ..

ولما شاهدتنا صدمها المنظر .. وتراجعت مضطربة .. وارتدت مسرعة إلى السلم ..

وسمعت وقع خطواتها .. وأنا أعصر قلبى ..
================================
نشرت القصة فى مجلة الهلال عدد مايو 1971 وأعيد نشرها فى كتاب " صقر الليل " وبمجموعة " قصص من هونج كونج " من تقديم واعداد على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ الناشر مكتبة مصر 2001
======================================

ليست هناك تعليقات: